الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.المسألة الثانية: في جملة من الأفعال المذمومة للمنافق: .المسألة الثالثة: قوله: {أَخَذَتْهُ العزة بالإثم}: .قال ابن عاشور: والعزة صفة يرى صاحبها أنه لا يقدر عليه غيره ولا يُعارض في كلامه لأجل مكانته في قومه واعتزازه بقوتهم قال السموأل: ومنه العزة بمعنى القوة والغلبة وإنما تكون غالبًا في العرب بسبب كثرة القبيلة، وقد تغني الشجاعة عن الكثرة ومن أمثالهم: وإنما العزة للكاثر، وقالوا: لن نغلب من قلة وقال السموأل: ومنها جاء الوصف بالعزيز كما سيأتي في قوله: {فاعلموا أن الله عزيز حكيم} [البقرة: 209]. ف أَل في العزة للعهد أي العزة المعروفة لأهل الجاهلية التي تمنع صاحبها من قبول اللوم أو التغيير عليه، لأن العزة تقتضي معنى المنعة فأخذ العزة له كناية عن عدم إصغائه لنصح الناصحين. وقوله: {بالإثم} الباء فيه للمصاحبة أي أخذته العزة الملابسة للإثم والظلم وهو احتراس لأن من العزة ما هو محمود قال تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقين: 8] أي فمنعته من قبول الموعظة وأبقته حليف الإثم الذي اعتاده لا يرعوي عنه وهما قرينان. اهـ. .فائدة بلاغية: وفي قوله: {العِزَّةُ بالإِثْم} من عِلْمِ البديع التتميم وهو عبارةٌ عن إِرْداف الكلمةِ بأُخْرى، تَرْفَعُ عنها اللَّبسَ، وتقَرِّبُها مِنَ الفَهْم، وذلك أنَّ العزَّةَ تكونُ محمودةً ومَذمُومةً. فَمِنْ مَجِيئها محمودةً: {وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8] {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} [المائدة: 54] فلو أُطلِقَت لَتَوَهَّمَ فيها بعضُ مَنْ لا عنايةَ له المحمُودة؛ فقيل: {بالإِثْمِ} تَتْمِيمًا للمرادِ، فرُفِعَ اللَّبْسُ بها. اهـ. قوله: {بالإثم} أي: بالظلم وفي هذه الباءِ ثلاثةُ أوجهٍ: أحدها: أنْ تكونَ للتعديةِ، وهو قول الزمخشري فإنه قال: أَخَذْتُهُ بكذا إذا حَمَلْتهُ عليه، وأَلْزَمْتهُ إياه، أي: حَمَلتهُ العِزَّةُ على الإِثْم، وأَلْزَمَتْهُ ارتكابَه قال أبو حيان: وباء التعدية بابُها الفعلُ اللازمُ، نحو: {ذَهَبَ الله} [البقرة: 17]، {وَلَوْ شَاءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} [البقرة: 20]، ونَدَرَتِ التعديةُ بالباءِ في المتعدِّي نحو: صَكَكْتُ الحجرَ بالحجرِ أي: جَعَلْتُ أَحدهما يَصُكُّ الآخرَ. الثاني: أَنْ تكونَ للسببيةِ، بمعنى أنَّ إثمّه كان سببًا لأخذِ العِزَّة له؛ كما في قوله: الرمل: فتكونُ الباءُ بمعنى اللام، فتقول: فعلت هذا بسببك، ولسببك، وعاقَبْتُه لجِنَايتهِ، وبجنايَتهِ. الثالث: أن تكونَ للمصاحبة؛ فتكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِن وفيها حينئذٍ وجهان: أحدهما: أَنْ تكون حالًا مِنَ {العِزَّة} أي: مُلْتبسةً بالإِثمِ. والثاني: أن تكونَ حالًا من المفعولِ، أي: أَخَذَتْهُ مُلْتبسًا بالإِثمِ. قال القُرطبيُّ: وقيل: الباءُ بمعنى مَعَ أي: أخذته العِزَّةُ مع الإثم. اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ}: وقوله: {فحسبه جهنم} تفريع على هاته الحالة، وأصل الحسب هو الكافي كما سيجيء عند قوله تعالى: {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} في آل عمران [173]. ولما كان كافي الشيء من شأنه أن يكون على قدره ومما يرضيه كما قال أبو الطيب: أطلق الحسب على الجزاء كما هنا. وجهنم علم على دار العقاب الموقدة نارًا، وهو اسم ممنوع من الصرف قال بعض النحاة للعلمية والتأنيث، لأن العرب اعتبرته كأسماء الأماكن وقال بعضهم للعلمية والعُجمة وهو قول الأكثر: جاء من لغة غير عربية، ولذلك لا حاجة إلى البحث عن اشتقاقه، ومن جعله عربيًا زعم أنه مشتق من الجَهْم وهو الكراهية فزعم بعضهم أن وزنه فُعَنَّل بزيادة نونين أصله فعنل بنون واحدة ضعفت وقيل وزنه فعلل بتكرير لامه الأولى وهي النون إلحاقًا له بالخُماسي ومن قال: أصلها بالفارسية كَهَنَّام فعربت جهنم. وقيل أصلها عبرانية كِهِنَّام بكسر الكاف وكسر الهاء فعربت وأن من قال إن وزن فعنل لا وجود له لا يلتفت لقوله لوجود دَوْنَك اسم واد بالعالية وحَفَنْكَى اسم للضعيف وهو بحاء مهملة وفاء مفتوحتين ونون ساكنة وكاف وألف وهما نادران، فيكون جهنم نادرًا، وأما قول العرب رَكِيَّةٌ جهنم أي بعيدة القَعر فلا حجة فيه، لأنه ناشئ عن تشبيه الركية بجهنم، لأنهم يصفون جهنم أنها كالبئر العميقة الممتلئة نارًا قال ورقة بن نوفل أو أميَّة بن أبي الصَّلْت يرثي زيدًا بن عمرو بن نُفَيْل وكانا معًا ممن ترك عبادة الأوثان في الجاهلية: وقد جاء وصف جهنم في الحديث بمثل ذلك وسماها الله في كتابه في مواضع كثيرة نارًا وجعل وقودها الناس والحجارة وقد تقدم القول في ذلك عند قوله تعالى: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} [البقرة: 24]. اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَلَبِئْسَ المهاد}: .قال الفخر: .قال ابن عاشور: .قال ابن عادل: .من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري في الآية: وأنا كذا وكذا! ثم يكبر عليك. فيقول: وأنت أَوْلى بأن تؤمر بالمعروف وتُنهى عن المنكر فإن من حالك وقصتك كذا وكذا. أو لو ساعده التوفيق وأدركته الرحمة، وتقلَّد المنة بمن هداه إلى رؤية خطئه، ونبهه على سوء وصفه، لم يطوِ على نصيحة جنبيه وتبقى في القلب- إلى سنين- آثارها. قال تعالى: {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ} يعني ما هو فيه في الحال من الوحشة وظلمات النَّفْس وضيق الاختيار حتى لا يسعى في شيء غير مراده، فيقع في كل لحظة غير مرة في العقوبة والمحنة، ثم إنه منقول من هذا العذاب إلى العذاب الأكبر، قال الله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ العَذَابِ الأَدْنَى دُونَ العَذَابِ الأَكْبَرِ} [السجدة: 21]. اهـ. .لطيفة:
|